عند الفجر كان القبطان مجدي جمال قائد القاطرة "مساعد2" ينظر إلي جدار حديدي ضخم .. لا شيء جديد حتي الآن فالسفينة العملاقة evergiven بحمولة ٢٠ الف طن من الصلب والسلع الاستهلاكية مازالت تسد واحدة من أكثر ممرات الشحن ازدحاماً حول العالم
يومًا بعد يوم ، كانت السفينة العملاقة تلوح في الأفق فوق سرب من الحفارات والجرافات وزوارق القطر التي تحاول تحريكها وسحبها ولكن دون جدوى ..مع إستمرار عمل محركات وكابلات القاطرة "مساعد 2" والقاطرات الأخرى حتى نقطة الانهيار ، فشلت كل المحاولات لفك قبضة الجاذبية عن هذا الهيكل الضخم
الآن بإنتظار الفرصة الأخيرة في هذا اليوم من العام حيث يكون المد اعلي ما يكون ، وإذا فشلت مجهوداتهم سيضطرون الي اللجوء للخطة البديلة وهي "تفريغ حمولة السفينة" وهذا يعني إنزال ١٨٠٠٠ حاوية شحن الواحدة تلو الأخرى
كانت الضغوط الاقتصادية والسياسية تتزايد يوماً بعد يوم والعالم كله يراقب عملية تحرير السفينة وأي تأخير إضافي يعني مزيد من الخسائر، وبالرغم من كل هذه الضغوط كان الجميع علي علم بأن هذه العملية تحمل الكثير من المخاطرة
قد ننتظر قليلاً
في ٢٣ مارس الماضي وقبل شروق الشمس بقليل دخلت قافلة مؤلفة من ٢٠ سفينة الي قناة السويس من البوابة الجنوبية بجوار مدينة السويس المصريةكانت السفينة "ايفر جيفن" التي يبلغ ارتفاعها ١٣٠٠ قدم في منتصف رحلتها من ماليزيا الي هولندا مع حمولة تبلغ ١٨٠٠٠ حاوية كل منها بحجم مرآب لسيارة واحدة
في العادة تستغرق الرحلة عبر قناة السويس حوالي ١٢ ساعة على طول ١٢٠ ميلًا حيث يمكن لأعضاء الطاقم التحديق شرقًا في آسيا أو الغرب في إفريقيا أو الشمال في سفينة الشحن التي تنتظرهم في نفس الطريق المختصر الضيق بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط.
في الساعة السابعة صباحاً تحركت السفينة العملاقة الي احد قنوات القناة ذات المسار الواحد واقتربت من المنعطف الي اليمين بسرعة تبلغ ١٥ ميلاً في الساعة (أي أسرع بكثير من حد سرعة القناة الذي يقل عن عشر أميال في الساعة)كانت رياح قوية تصل سرعتها إلى 35 ميلاً في الساعة تهب من الجنوب وتضغط على الحاويات، وتُظهر صور الأقمار الصناعية أن السفينة واصلت الانجراف نحو ضفتي القناة لأكثر من نصف ساعة، وانحرفت مؤخرتها نحو الجانب الأيسر من الشاطئ بينما انحرفت مقدمتها بحدة إلى الجانب الأيمن نحو الضفة الشرقية الرملية للقناة بسرعة 13 ميلاً في الساعة.
في تمام السابعة وأربعة وأربعين دقيقة صباحاً كانت جوليا كونان أحد المهندسين علي السفينة "ميرسك دنفر" تبحر خلف الناقلة العملاقة "إيفر جيفن" عندما نشرت صورة علي انستغرام تظهر الناقلة العملاقة وهي تسد مجري القناة معلقة بقولها " يبدو أننا قد نتتظر هنا قليلاً
في غضون ساعات بدأت السفن تتجمع في إنتظار تعويم السفينة الجانحة
بعد فترة وجيزة وصلت اول معدات الإنقاذ الي مكان الحادث، وهما القاطرة "مساعد 2" وزورق القطر "عزت عادل "حيث قام أعضاء طاقم السفينة "إيفر جيفن" المكون من 25 بحارًا هنديًا بإنزال الحبال من المؤخرة (واحد لكل قاطرة) وبعد أن ربط أطقم القاطرات كابلاتهم الثقيلة قام طاقم السفينة برفع الكابلات وتأمينها، استعدادًا لسحبها من الضفة، لكن الطقس والجاذبية كانتا تعوقهم بشدة ومن جهة أخري أبقى الرمل والطين قبضته على بدن السفينة حيث كانت بحاجة إلى مزيد من القوة ..كان الطقس صعبًا للغاية في هذا اليوم" لكن بدر رمضان، أحد كبار أفراد الطاقم الذي وصل زورقه "القاطرة بركة١" إلى مكان الحادث بعد منتصف النهار بقليل كجزء من جهود الإنقاذ المتصاعدة. "قال بأن هذا النوع من الطقس شهدناه من قبل، وعادة ما تسير الأمور على ما يرام."
الآن، مع دخول المزيد من القاطرات والمد، حاولوا مرة ثانية ومرة أخرى ولكن بدون جدوى
في هذه الأثناء كانت السفن تتكدس في كل مكان وفي غضون أيام سيصل العدد إلى حوالي 350 سفينة معطلة، وازدادت معها حيرة ربابنة السفن التي لا تزال بعيدة عن كيفية الخروج من هذه الأزمة، وأصبح عليهم إعادة رسم مسارات الوصول إلي وجهاتهم مع خيارات محدودة ومكلفة وكأنهم قد عادوا الي القرن التاسع عشر ..قبل حفر قناة السويس في ستينيات القرن التاسع عشر، كانت الرحلات البحرية من آسيا إلى أوروبا تتخذ طريق رأس الرجاء الصالح في الطرف الجنوبي من إفريقيا، واليوم ،يضيف هذا الالتفاف الي تكلفة الرحلة أسبوعين أو أكثر مع أطنانًا من الوقود وعشرات الآلاف من الدولارات
مع توقع بعض خبراء الإنقاذ أن الأمر قد يستغرق أسابيع لإعادة تعويم الناقلة العملاقة، بدأت توجيه أصابع الاتهام، وازدادت المناقشات حول المسؤول عن التكاليف المتزايدة جنبًا إلى جنب مع التكهنات حول سبب الحادث (الرياح أو ضعف الرؤية أو الخطأ البشري أو الفني) ضمن الملكية المعقدة وإدارة شركة ايفر جيفن( المملوكة لشركة قابضة يابانية، مستأجرة من قبل تكتل تايواني، أبحر من قبل مشغلين ألمان تم تسجيلهم في بنما) وعندما بدا أن الطرفين يحاولان إلقاء المسئولية علي الطرف الآخر، أصدرت شركة "ايفر جرين" التايوانية، بيانا حثت فيها المالكين على التحقيق في الحادث ..بالنسبة لبحارة القناة بدت السرعة العالية غير المعتادة للسفينة مشكوكًا فيها بشكل خاص.
بحلول اليوم الثاني قام مسؤولو القناة بإرسال مجموعة من الجرافات بالإضافة إلي فريق من الغواصين لمسح القاع ..في ذلك اليوم، وصلت المزيد من التعزيزات( فريق من المتخصصين من شركة "سميت" وهي شركة إنقاذ هولندية لكن الأهم من ذلك، أن قاطرتين بحريتين ثقيلتين تابعين لنفس الشركة كانتا لا تزالان على بعد يومين إلى الجنوب
واصلت الحفارات المصرية الحفر دون توقف، وسرعان ما تلقت المساعدة من الحفارات التي تعمل من الشاطئ بعد يوم آخر من الحفر، والذي أزال آلاف الأطنان من الرمال، مما حرك دفة السفينة إلى حد كبير، لكن المد العالي جاء وذهب، وظلت السفينة قابعة في مكانها في حين كان سكان القري المجاورة للقناة يشاهدون عملية الإنقاذ بذهول
بحلول يوم السبت كان موقع جنوح السفينة "ايفر جيفن" عبارة عن خلية نحل عملاقة مع أكثر من ١٤ قاطرة مع مجموعة من القوارب الصغيرة التي تنقل المعدات والطعام وأفراد الطاقم بالإضافة فرق الغطس وأطقم الصيانة ومئات الأشخاص يعملون علي مدار الساعة
كان الضغط لتحرير السفينة هائلاً عندما صعدت مجموعة من مسؤولي القناة وخبراء الإنقاذ الهولنديين ممر "إيفر جيفن" واجتمعوا مع ضباط وطاقم السفينة
وفي حين كانت القاطرات العملاقة تقترب من القناة كانت هناك موعد مع اعلي مد وجذر في هذا العام وهو ما يعني إضافة قوة رفع ثمينة.
ليلة الأحد وصلت اول قاطرة عملاقة للموقع وبحلول يوم الإثنين الساعة الثالثة صباحا كان قد تم إزالة أكثر من ٧٠٦٠٠ قدم مكعب من الرمال، في حين اتخذت القاطرة العملاقة موقعها حول السفينة العالقة بجوار القاطرات الاخري
مع وصول المد بدئت عملية السحب حيث بدا أن السفينة تتحرك ببطئ وبحلول الخامسة فجراً كان الجميع علي يقين أن العملاق تحرك أخيراًقبل الفجر بوقت قصير. كانت القاطرة الإيطالية "كارلو ماجنو" بطاقم مكون من ١٣ شخص قد وصلت حديثاً من الامارات المتحدة
يقول النقيب "غابرييل دي سيزاريس" عن هذا المشهد السريالي: "رأيت جبلًا منحرفًا من القناة". "لقد رأينا ذلك بالفعل من الأخبار على الإنترنت ، ولكن شخصيًا كان شيئًا لا يمكن وصفه."
استمرت المحاولات علي مدار الساعة بحذر شديد خوفاً من إنهيار هيكل السفينة وتجنب الحفارات التي مازالت تعمل حتي اللحظةفي الساعة الثانية وخمسة وأربعين دقيقة بعد الظهيرة ومع تسرب المد بدا أن القاطرات توقفت عن العمل
لكن بعد مرور نصف ساعة قام الطاقم بتشغيل المراوح مرة أخرى من أجل استغلال حالة مد جديدة