الديكتاتوريون علي مر العصور ...خواطر مغترب بقلم دكتور علي عبده

 


مقدمة 

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)

رواه البخاري في "الأدب المفرد"


في سِربه أي : في نفسه ، وقيل : السرب : الجماعة ، فالمعنى : في أهله وعياله . وقيل بفتح السين أي : في مسلكه وطريقه ، وقيل بفتحتين أي : في بيته .


معافى اسم مفعول من باب المفاعلة ، أي : صحيحاً سالماً من العلل والأسقام .

في جسده أي : بدنه ظاهراً وباطناً . 

عنده قوت يومه أي : كفاية قوته من وجه الحلال . 


قال المناوي رحمه الله :

" من جمع الله له بين عافية بدنه ، وأمن قلبه حيث توجه، وكفاف عيشه بقوت يومه ، وسلامة أهله ، فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها ، بأن يصرفها في طاعة المنعم ، لا في معصية ، ولا يفتر عن ذكره . 


قال نفطويه :

إذا ما كساك الدهرُ ثوبَ مصحَّةٍ * ولم يخل من قوت يُحَلَّى ويَعذُب

فلا تغبطنّ المترَفين فإنه * على حسب ما يعطيهم الدهر يسلب


من منا لا ينشد هذه النعم سواء في الأوطان أو في بلاد المهجر أو حيثما يعيش ويعمل؟

من منا لا يحلم بنعمة الأمن في المنزل والطريق والعمل أو الأسواق ونعمة المجاهرة بالرأي دون غول أو تعدي علي المعتقدات أو المقدسات أو حرمات الآخرين أو توجيه النقد البناء دونما زج في السجون والمعتقلات أو أن يضطهد في نفسه أو جسده أو ماله أو أهله؟


من أجل ذلك، كل من ينادي بسلب أو يعمل علي سلب هذه الحريات التي وهبها الله لبني البشر والتي سنن الشرائع والأحكام التي تنظمها فهو جبار من الجبابرة وفرعون من الفراعنة شخصا كان أو جماعات


قديما نادي فرعون في أهل مصر أنا ربكم الأعلي وسألهم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي بل وسلبهم مجرد حرية التفكير

مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ

وفرق بين مكونات شعبه 

وفي سبيل تحقيق مآربه كان لزاما أن يسيطر كليا علي الأتباع وهم قومه

فكان لزاما أن يستعين بعليه القوم من الملأ من قومه لكي يأزونه أزا علي إستئصال شأفه موسه وهارون وقومهما


وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُۥ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ ۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِۦ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ


قَالُوا إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ۚ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَىٰ


فأستعان بالسحرة ليجمع الناس علي ملكه ويقضي علي خطر موسي وهارون


قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ * وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ 


كل ما كان يهم فرعون قديما هو نفسه المتضخمة وارضائها بشتي السبل حتي وصل لقمة جنون العظمة والأعتداد بالنفس بإدعائه الربوبية وبما أن الملك من أخص خصائص الرب فكان لزاما عليه أن يقاتل حتي الموت في سبيل الحفاظ علي ملكه وضحي في سبيل ذلك بجنوده وقومه


وَجَٰوَزْنَا بِبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُۥ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ


فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ


ثم لما أدرك الهلاك والخسارة وزوال الملك صاح علي إستحياء 


حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ


يالله


حتي إسم الله سبحانه وتعالي وإسم موسي عليه السلام عدوه اللدود لم يرد أن ينطق بهما عند موته


هذا حال فرعون قديما وحال كل فرعون وديكتاتور من بعده إلي يوم القيامة بما فيهم كبيرهم الدجال


فالدجال سيدعي الربوبية


أخرج البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:” وإنه متى خرج، يزعم أنه الله، فمن آمن به وصدقه واتبعه، فليس ينفعه صالح من عمل سلف، ومن كفر به وكذبه، فليس يعاقب بشيء من عمل سلف”.


وفي سبيل تحقيق اهدافه والسيطرة علي الأتباع لابد له بالإستعانه بالملأ من الساده والمستشارين والسحره من الأعلام للسيطرة علي الأتباع


فسيأتي الدجال من الأعمال الخارقة ما يروج به باطلهُ من ادعائه للربوبيّة


فسيأتي القومَ فيدعوهُم فيكذِّبونَه ويردُون عليه قولَهُ فينصَرِفُ عنهُم فتتبعُهُ أموالُهم فيصبِحونَ ليسَ بأيديهِم شيء. ثم يأتي القومَ فيدعوهُم فيستجيبونَ له ويصدِّقونَهُ ، فيأمرُ السَّماء أن تُمْطِر، فتُنبت، فتروحُ عليهم سارحتُهم كأطوَل ما كانَت ذرًى، وأمدَّهُ خواصر، وأدرَّهُ ضروعاً، ثم يأتي الخَربةِ فيقولُ لَها: أخرِجي كنوزَكِ فينصرِف منها فتتبعهُ كنوزُها كيعاسيب النَّحل، ثم يدعو رجلًا شابا ممتلئًا شبابًا فيضربُهُ بالسَّيفِ فيقطعُهُ جزلتينِ، ثمَّ يدعوهُ فيقبل يتَهَلَّل وجهُه يضحَكُ.


هذا ما نبأنا به رسول الله صلي الله عليه وسلم


كل ملك وكل رئيس وكل والي وكل من ولي من أمر الناس شيئ فقاتهلم في سبيل ملكه او حاول إخضاع الناس بالنار والحديد وفرق بين مكونات قومه فهو فرعون وملأه من الفاسدين وأتباعه من المجرمين


وسوف يتبرأ بعضهما من بعض يوم القيامة


إِذْ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ ٱلْأَسْبَابُ


وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ


قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ* وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ* قَالُواْ أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُواْ بَلَى قَالُواْ فَادْعُواْ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ


والعاقبة يوم القيامة لمن تبرأ من التبعية لكل أحد إلا الله ولم يتعدي علي أنفس وحقوق الآخرين في سبيل تحقيق مآربه وتطلعاته


تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ


دكتور علي عبده

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -