زيارة الي "جدي " شاه دو شامشيرا .. بقلم يحي غنيم



مقدمة 

بعد شهور من وصولي الي افغانستان لتغطية الحرب بين طاليبان والتحالف الشمالي وفي احد ايام شهر مايو من العام ١٩٩٧ واثناء قيادتي السيارة علي اطراف العاصمة كابول خطف بصري مسجد يبدو طرازه المعماري مختلف بشكل لافت عما عهدته من الطراز المعماري المنتشر هناك. 

علي الفور شعرت بأن المسجد يجذبني وكأنه مغناطيس عملاق يختطف عملة معدنية ضئيلة الحجم. 

حولت مقود السيارة متجها الي المسجد وقد تعلقت عيناي به حتي اني كنت لا اري الطريق ذاته. 

ترجلت من السيارة ووقفت امام المدخل الرئيسي للمسجد وقد هبت من داخله رائحة زكية يصعب وصفها. دخلت المسجد وانا اشعر بأنه يحتضنني بكل ما تسكنه الكلمة من معان. 

كنت دائما من رواد المساجد في مصر، الا ان واحد او اثنين  فقط هما اللذان كنت احس انهما يحتضناني ويهدهداني ويحنوان علي وتحديدا السيدة نفيسة والتي كنت استشعر دائما انها كانت تستقبلني بنفسها. 

بمجرد دخولي المسجد الافغاني قمت بأداء ركعتين تحية ودعوت لصاحبه والذي حمل لقبه شاه دو شامشيرا. 

بعد الصلاة جلست مسندا ظهري الي الحائط مغمضا عيني. 

دقائق وشعرت باحدهم وهو يربت علي كتفي سائلا اياي من اين قدمت؟ 

قلت له انني من مصر. لم يستغرق الامر ثوان حتي فوجئت بجمع كبير من رواد المسجد يتحلقون حولي بعضهم يطرح أسئلة والبعض الاخر يرحب واخرون يطلبون من هذا العربي ان يؤمهم في الصلاة. الامر كان محرجا ولكن عاكسا لمدي عشق الافغان للعرب وخاصة المصريين. 

سألت الافغان من هو صاحب ما بدا مقاما في المسجد ؟

تطوع شيخ افغاني بالإجابة وقد انارت وجهه ابتسامة مشرقة قائلا:

انه جدك.

- جدي هو صاحب هذا المقام؟ هل تقصد غانم الكبير؟

= انا لا اعلم اسمك ولا اسم جدك ولكن من المؤكد ان صاحب هذا المقام هو احد اجدادك من العرب الذين فتحونا وهدوا اجدادنا الي التوحيد. 

- ومن هو جدي هذا؟

= في العام ٧٩ هجرية اصدر عبد الملك بن مروان امره للحجاج الثقفي ان يبعث بجيش من الكوفة وعلي راسه شريح بن هانيء ليعيد فتح كابول وما حولها من مناطق. وبعد انتصارات ساحقة احرزها القائد العربي، نجح ملك الافغان الوثني في اغراء بن هاني بالتوغل داخل مغاوير وممرات جبال الهندكوش قبل ان يقطع الطريق عليه ويحاصر جيشه ويفنيه عن اخره. كان الخبر له وقع الصاعقة علي عبد الملك بن مروان الذي امر بتجهيز جيش ضم زهرة شباب العرب من الجزيرة والعراق وهو ما اكسب الجيش اسم جيش الطواويس وقدر ب٤٠  الفا من المقاتلين الصناديد وعلي راس نصف الجيش القائد عبد الرحمن بن الاشعث والنصف الاخر يقوده ما يوصف في تاريخ الافغان بقائد سبعيني العمر اسطوري كان يحارب بنفسه ممسكا بسيفين. 

يصف الافغان في ادبياتهم التاريخية ان القائد الاسطوري الليث بن قيس أحرز انتصارات مبهرة بعدد قليل للغاية من المقاتلين الغرب امام جيش عرمرم من الافغان يربو علي ١٢٠ الفا. ظل الليث مقاتلا بسيفيه حتي سقط قتيلا.

وحيث ان الافغان حتي في ذلك الزمان وهم وثنيون كانوا يكبرون شجاعة الاعداء فقد اخذتهم بطولة الليث واكرموا مثواه ودفنوه في موضع سقوطه.  بعد سنوات طويلة من استكمال فتح افغانستان ثم دخول الافغان الاسلام اقاموا مسجدا صغيرا علي ضريح الليث وذلك قبل ان يوسعوه مرات عديدة في احقاب متعاقبة. 

وحيث ان الافغان وقفوا مبهورون بذلك الشيخ السبعيني الذي ظل يقاتل حاملا سيفا بكل يد فقد أطلقوا عليه اسم: 

شاه دو شامشيرا اي الملك ذو السيفين. 

الشاهد، انه بعد ان اخبرت الافغان الذين احتفوا بي بما حدث لي وانا اقود السيارة من انني شعرت وكأن المسجد يجتذبني كمغناطيس عظيم، اتفقوا فيما بينهم ان من يصرون علي انه جدي صاحب المقام هو الذى دعاني. 

تأملت قولهم وادركت ان المساجد لها روح وانها تدعو البعض منا كي نسعي لاحضانها. 

رحمك الله "جدي " الليث بن قيس صاحب وساكن تربة مسجد شاه دو شامشيرا.


بقلم يحي غنيم
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -