دكتور مجدي يعقوب ... أمير القلوب المتوج


كانت الأمور تسير علي ما يرام، ففي داخل أسرة رائعة أمتهنت الطب منذ البداية لم يكن لهذا الفتي الوسيم مجال لأن يتخلي عن شغفه بهذه البساطة، فلطالما حلم والده باليوم الذي يراه وقد تخرج من كلية الطب ليسير علي نفس دربه الذي أبدع فيه، ولما لا .. فوالده هو الأخر يعمل طبيب في مجال الجراحة العامة وقد نال شهرة واسعة جعلته من افضل الجراحين في البلاد 


أما الفتي مجدي حبيب يعقوب فقد كان منذ البداية يحلم بأن يصبح جراحآ للقلب، وكأنه يعرف بأنه سوف يصبح أشهر طبيب للقلب علي ظهر الأرض، وقد تعارضت تلك الرغبة مع رغبة والده الذي أراد له أن يتخصص في مجال الجراحة العامة، لولا حدوث أمر ما جعل الأمور تنقلب رأساً علي عقب ..


في هذا البيت الهادئ المستقر كان الجميع في إنتظار خبر رائع، كانت السيدة أوجيني عمة الدكتور مجدي يعقوب تضع مولودها الأول والذي كان الجميع في انتظاره علي احر من الجمر، وبالأخص والده الدكتور حبيب يعقوب فقد كان يحب أخته بشدة 


أما القدر فقد كان له رأي آخر فقد ماتت عمة الدكتور مجدي يعقوب بسبب مشكلة قلبية بسيطة وهي في العشرينات من العمر، مما أحزن والده بشدة وكاد أن يؤدي ذلك الأمر إلي إنهياره نفسياً 


هذا الحادثة شكلت كثير من عقل ووجدان الدكتور مجدي يعقوب، فقد جعلته يري الأمور أكثر وضوحاً وهنا قرر أن يأخذ حلمه الي ابعد مدي، فبعد ٧ سنوات من تخرجه من كلية الطب بجامعة القاهرة وبالتحديد في عام ١٩٦٢ قرر بأن يخطو أولي خطواته نحو العالمية وذلك بعد قراره استكمال دراسته في المملكة المتحدة، ليتوج الأمر بالحصول علي درجة الزمالة الملكية من ثلاث جامعات بريطانية وهي لندن وأدنبرة وغلاسكو 


بعد ذلك بفترة وجيزة وتحديداً في عام ١٩٦٩ سافر الي الولايات المتحدة الأمريكية وبسبب مهارته الكبيرة تم تعيينه باحثاً في جامعة شيكاغو الأمريكية الشهيرة وما لبث أن تم ترقيته ليصبح رئيس لقسم جراحة القلب في نفس الجامعة وذلك في عام ١٩٧٢, في هذه الأثناء كان الدكتور مجدي يعقوب يمارس هوايته المفضلة وهي إنقاذ قلوب الآلاف وبفضله أصبح قسم القلب في جامعة شيكاغو الأمريكي من أشهر أقسام القلب في العالم، وبفضله تطورت جراحة القلب كثيراً حتي أنه بعدها بعامين وتحديداً في عام ١٩٧٤ أصبح الدكتور مجدي يعقوب وفريقه أول جراح يقوم بإجراء عملية قلب مفتوح في نيجيريا



هكذا كان ومازال شخص محب ودود يعلم جيداً قيمة العلم الذي يملكه ولذلك وهب نفسه لإنقاذ القلوب في كل مكان في العالم دون النظر إلي جنس أو عرق أو لون


عكف الدكتور مجدي يعقوب علي تطوير تقنيات جديدة في مجال جراحة القلب حتي أنه استطاع علاج حالات كانت في الماضي تعتبر مستحيلة ومن ضمنها حالات لأطفال حديثي الولادة ولدو بعيوب خلقية، بالإضافة إلي صنع أجزاء جديدة من القلب من الخلايا البشرية مما مثل ثورة كبري في مجال الجراحات القلبية، ليتوج هذا المجهود الرائع بترأسه برنامج زراعة القلب في مستشفي هارفيلد في لندن وهي من أعرق المستشفيات في العالم، وقام هو وفريقه بإجراء الآلاف من العمليات الجراحية الناجحة، فيما وصل عدد عمليات زرع القلب الذي قام بها إلي أكثر من ألفين عملية ناجحة من ضمنها عملية نقل قلب لمريض يدعي دريك موريس وأصبح آنذاك اكبر شخص خضع لجراحة نقل قلب وهو علي قيد الحياة واستمر الرجل في الحياة بشكل طبيعي لمدة ٢٥ سنة من عام ١٩٨٠ وهو تاريخ إجراء العملية حتي وفاته عام ٢٠٠٥ 





بعدها بثلاث سنوات وتحديداً في عام ١٩٨٣ كان الدكتور مجدي يعقوب مع إنجاز جديد سيتم اضافته في موسوعة جينيز للأرقام القياسية حيث إستطاع زراعة قلب لرجل انجليزي يدعي جون مكافيرتي واستمر هذا الرجل علي قيد الحياة لمدة ٣٣ عام حتي وفاته في عام ٢٠١٦ ليصبح أطول شخص يعيش بقلب منقول حتي هذه اللحظة، وفي نفس العام أجري الدكتور مجدي يعقوب جراحة نقل قلب لرجل يعمل ظابط شرطة يدعي ديفيد جاك وقد تم أخذ القلب من فتاة توفيت في سن الرابعة عشر وكانت كل التوقعات تشير إلي عدم تقبل جسم الرجل لهذا القلب وكانت أكثر التوقعات تفاؤلا تشير إلى أن الرجل لن يعيش أكثر من خمس سنوات إلا أن الرجل عاش لمدة ٣٥ سنة حتي وصل الي سن التسعين !!


بعد قيامه بهذا الكم من العمليات الجراحية وإنجازاته التي قدمها للٱنسانية جاء التكريم من ملكة بريطانيا في عام ١٩٩١ بمنحه لقب السير وهو ارفع لقب في بريطانيا مخالفة جميع الأعراف والقوانين البريطانية التي تقضي بمنح لقب السير لمن يحمل الجنسية البريطانية والبريطانية فقط 



بعد بلوغه سن الخامسة والستين قرر الدكتور مجدي يعقوب اعتزال إجراء العمليات الجراحية بعد تاريخ حافل بالإنجازات والعمل في إلقاء المحاضرات والتدريس في الجامعات والإشراف علي الأبحاث العلمية في مجال جراحة القلب بالإضافة إلي تكريس وقت كبير لمنظمة "سلسلة الأمل" الخيرية التي قام بتأسيسها في إفريقيا والتي تركز معظم نشاطها علي الأطفال في مناطق الصراعات داخل الدول النامية، والذين يعانون من مشاكل قلبية، بالإضافة إلي تأسيسه لمركز مجدي يعقوب للقلب في مصر والذي تم إفتتاحه عام ٢٠٠٩  والذي أصبح في فترة وجيزة من أهم مراكز القلب في منطقة الشرق الأوسط وخلال هذه الفترة قرر قطع اعتزاله للعمليات الجراحية في عام ٢٠٠٦ بسبب عملية جراحية عاجلة ..

يقول الدكتور مجدي يعقوب عن هذه العملية..

في إحدى الأيام جاءني إستدعاء عاجل من الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا بخصوص أمر طارئ، شعرت حينها أن هناك أمر شديد الخطورة وكانت توقعاتي صحيحة .. لكن الأمر مختلف هذه المرة فعلي عكس معظم الجراحات التي اجريها والتي أقوم فيها عادة بزرع قلب جديد لشخص ما، كان عليا أن أقوم بالعكس وهو إستئصال قلب طفلة تمت زراعته لها بجوار قلبها الأساسي ليساعدها علي الحياة بشكل طبيعي وبعد إصابة الطفلة بالسرطان كان ولابد من استئصال هذا القلب .. كانت الطفلة في السابعة من العمر وكانت تعاني الكثير من الأمراض مما مثل تحديآ حقيقياً، ولكن مضت الأمور علي ما يرام وتمت العملية الجراحية بنجاح باهر، حتي أن هذه الطفلة كبرت وإستطاعت الزواج وانجبت اطفال أصحاء، وهي علي قيد الحياة إلي الآن 

نحن أمام عالم كبير قدم للبشرية الكثير، واستطاع أن يصل بمجال جراحة القلب إلي آفاق عالمية، إنه العبقري الدكتور مجدي يعقوب أمير القلوب المتوج 

بقلم .. عماد أيوب



التعليق على ال




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -