محمد علي كلاي .. الأسطورة التي لا تموت




– “أنا أميركا. أنا الجزء الذي لن تعترف به، ولكن تعوَّد علي. أسود، واثق، مغرور، اسمي ليس باسمك، وديني ليس دينك، أهدافي تخصني، اعتد عليّ  

كانت هذه هي الكلمات التي قالها محمد علي عندما أتهم بالتهرب من الخدمة العسكرية في عام ١٩٧٠ 

لم يتوقف رفض محمد علي كلاي التجنيد في حرب فيتنام عند هذا الحد، بل تم سحب لقب بطل العالم في الوزن الثقيل، وإيقافه عن ممارسة الملاكمة لمدة خمسة سنوات كاملة 

في هذه الفترة كانت حياة محمد علي كلاي مليئة بالفوضي إلا أن عودته للملاكمة في سن ال ٣١ أعطت له أمل جديد، وهنا كان محمد علي كلاي مع موعد مع منافسة شديدة مع بطل العالم للوزن الثقيل چو فريزر وهي المباراة التي تمت تسميتها بمباراة القرن نظراً للزخم الإعلامي والشعبي التي حازت عليه هذه المباراة وقتها ...


دخل محمد علي كلاي هذه المباراة وهو يعاني علي جميع المستويات، إفلاس مادي وظلم معنوي وتجاهل متعمد، وعلي الرغم من فرق القوة والخبرة الواضح بين محمد علي كلاي ومنافسه إلا أنه خسر البطولة في الجولة الخامسة عشر بأجماع الحكام وخسر معها  فرصته الوحيدة في التخلص من جميع الصعوبات والرجوع الي سابق عهده ...


كان من الطبيعي بعد خسارة محمد علي للبطولة أن ينهار تماما علي جميع المستويات، فالصدمة كانت أكبر من أن يتحملها أحد إلا أن محمد علي كلاي كان يري الموضوع بمنظور مختلف تماماً 



لم تكن الملاكمة هي هدفه الوحيد، فالظلم والاضطهاد والعنصرية الذي تعرض لها بسبب كونه من أصحاب البشرة السوداء جعلته صاحب رسالة، ولم يكن لدي أي محمد علي كلاي أي إستعداد لخسارة طريقته الوحيدة في إيصال رسالته الي العالم، وكان ذلك واضح جداً في جميع اللقاءات الصحفية التي كان يجريها بعد كل مباراة، فقد كان الحديث عن الملاكمة هي اخر أهدافه، رغم عشقه الشديد لها، لقد أيقن محمد علي أن موهبته ليست مجرد غاية بل هي وسيلة لإيصال صوته الي العالم، ليس صوته فقط بل صوت كل المهمشين والمظلومين وأصحاب الحقوق 


إشتهر محمد علي كلاي بدفاعه عن الإسلام ضد الإفتراءات التي قيلت عنه، ولم يسمح لأحد بمقايضة حبه لدينه بأي شيء أخر .. هذه التركيبة الفريدة من نوعها جعلت محمد علي كلاي محبوب الجماهير الأول في كل مكان، وسمحت له بإيصال رسالته علي أكمل وجه 

 

الرجل الذي يري العالم وهو في الخمسين بنفس النظرة كما كان في عمر العشرين يكون قد ضيع ثلاثين عاماً بلا فائدة 

لم تكن كلمات محمد علي كلاي تلك مجرد حروف بلا معني، بل أسلوب حياة نشأ عليه منذ ولادته، عاد محمد علي كلاي إلي الملاكمة مرة أخري وعاد معه شغفه للإنتصار ليقرر بعدها ملاقاة بطل العالم في الوزن الثقيل جورج فورمان 

كانت كل المعطيات المنطقية تشير إلي فوز جورج فورمان بشكل نهائي ..لم يكن جورج فورمان مجرد ملاكم فالشاب صاحب ال ٢٣ عام لم يخسر أي مباراة من ال ٤٠ مبارة التي خاضها، حتي أنه فاز في ٣٧ مباراة منهم بالضربة القاضية، واطول مباراة خاضها لم تتجاوز الخمسة جولات، حتي أن جورج فورمان فاز علي چو فريزر البطل الذي انتصر علي محمد علي في نهائي بطولة العالم للوزن الثقيل في الجولة الثانية فقط !! 


أما علي الجانب الآخر فكان محمد علي كلاي في سن ال ٣٧ يرغب في الفوز بأي طريقة، ليس مجرد فوز بل انتقاماً وشيكاً، فقد اعتاد غريمه علي الاستهزاء بمحمد علي كلاي وبمعتقداته وكان هذا الأمر بالنسبة ل محمد علي كلاي بمثابة إعلان حرب، رغم أن الكثيرين من الخبراء والمتابعين حذرو محمد علي من الدخول في تلك المغامرة بسبب عواقبها الوخيمة إلا أنه أصر علي المضي قدماً في الوقت الذي أعلن فيه چورج فورمان بكل غرور أنه سيقتل محمد علي كلاي علي حلبة الملاكمة حتي يقضي عليه للأبد ...


كان إختيار محمد علي كلاي لمكان المباراة هو المفاجأة .. لقد أختار زائير .. تلك الدولة الأفريقية الفقيرة الواقعة في أدغال إفريقيا السوداء، دولة مجهولة حتي أن كثير من الناس في أنحاء العالم كانو يسمعون بها لأول مرة 


في البداية رفض چورج فورمان ملاقاة محمد علي كلاي في هذا المكان إلا أن محمد علي كلاي وبخطة عبقرية نجح في إستفزازه حتي وافق 


كانت أنظار العالم كلها تتجه لهذا الحدث الفريد من نوعه، ولما لا فالملاكمة كانت في هذا الوقت هي اللعبة الشعبية الأولي في العالم ، أما في زائير وبسبب عدم وجود حلبات للملاكمة فقد تم تحويل الاستاد الوحيد الي حلبة تحيطه قوات من الجيش الزائيري في مشهد جعل العالم كله يقف احتراماً لهذا الرجل ....


“لقد تصارعت مع تمساح، وتصارعت مع حوت، كبلت البرق، وألقيت بالرعد في السجن. الأسبوع الماضي قتلت صخرة، وأصبت حجراً، وأدخلت طوبة إلى المستشفى، أنا لئيم لدرجة أنني جعلت الدواء مريضاً” هكذا قال قبل مباراته التاريخية في الغابة في زئير عام 1974 أمام جورج فورمان.


وصل محمد علي كلاي إلي زائير قبل موعد المباراة بشهرين، وكان من الطبيعي أن تكون هذه الفترة هي عبارة عن تصريحات لإرهاب الخصم إلا أنه فاجئ العالم مرة أخري بالحديث عن زائير والفقر الذي تقبع فيه، والتهميش المتعمد من دول العالم لجميع الدول الأفريقية بسبب إختلاف لون البشرة 


أما في زائير فقد كانت المباراة هي الشغل الشاغل لحياة الناس هناك ولأول مرة يشعر الناس أنهم موجودين، وكانت مشاهدة محمد علي كلاي تعني لهم الكثير من الحماسة والإصرار ، ولذلك تم تأليف العديد من الأغاني خصيصاً له 

Ali bomaya ..وتعني علي اقتله .. كان هذا هو الهتاف الرسمي للشعب في زائير وأصبحت هذه العبارة هي عنوان المباراة 


يتحدد موعد المباراة في يوم الأربعاء في ال 30 من اكتوبر عام 1974 في عاصمة زئير علي حلبة إستاد زائير والذي يتسع ل 60 ألف متفرج، وتبدأ واحدة من أعظم الأحداث الرياضية في التاريخ علي الاطلاق، بطولة العالم في الملاكمة للوزن التقيل بين محمد علي كلاي أصغر بطل عالم في تاريخ الملاكمة وقتها ضد الأسطورة جورج فورمان 


كانت استراتيجية محمد علي تعتمد علي إرهاق الخصم بوضع ظهره في مواجهة الحبال وإخفاء وجهه وجعل الخصم يفعل ما يريد، وفي الحقيقة كانت هذه الاستراتيجية في منتهي الغرابة حتي أمام خبراء الملاكمة أنفسهم 




استمرت المباراة ل ستة جولات علي هذا الحال مما تسبب بإرهاق شديد للخصم، إلا أنه في الجولة السابعة إستطاع فورمان تسديد ضربة قوية بيده اليسري في وجه محمد علي كلاي ليصرخ محمد علي كلاي قائلاً is that all you got ?! " وتعني هل هذا كل ما لديك ؟!

إنتهت الجولة السابعة في حالة صدمة شديدة من چورج فورمان أما محمد علي فكان يشير للجماهير بالإستمرار بالتشجيع بالهتاف الخالد Ali, bomaye 


تبدء الجولة الثامنة بهجوم مباغت من محمد علي كلاي ليفاجئ چورج فورمان بمجموعة من اللكمات القوية والمركزة وهنا يقوم محمد علي كلاي بتسديد ضربته الأخيرة ليسقط چورج فورمان علي الأرض ويصبح هذا المشهد هو أجمل مشهد في تاريخ الملاكمة علي الإطلاق ويصبح محمد علي كلاي بطل العالم للمرة الثالثة في تاريخه وأمام أسطورة چورج فورمان أسطورة الملاكمة في هذا الوقت 


بالفيديو ... لقطات من المباراة النهائية لبطولة العالم للوزن الثقيل بين محمد علي كلاي وجورج فورمان 



أرقام عن المباراة 

بعد المباراة تم عمل مزاد خيري علي متعلقات محمد علي كلاي وبيعت بأكثر من من مليون وثلاثمائة ألف جنيه وهو أكبر سعر لمتعلقات رياضي في التاريخ حتي أن الـ gloves فقط تم بيعه بـ 800 ألف وقد تبرع بها محمد علي كلاي إلي زائير وكان هذا المبلغ وقتها يساوي ميزانيات دول بأكملها 

'' علي الجميع أن يصمت الآن ، أخبرتكم من قبل حينما هزمت سوني ليستون ( بطل ملاكمة سابق ) إني الأعظم علي الإطلاق ، وأخبركم الآن بأني مازلت الأعظم علي الإطلاق ، وأنه فقط بقدرة الله كل شيء يبدو سهل ، حتي جورج فورمان نفسه يبدو بجوارها طفل رضيع، وأني واحد من كل السود وأهل زئير الذين ظلموا بسبب لونهم أو مازالوا وإني واحد من المسلمين الذين ظلموا بسبب دينهم، معركتي الأكبر لم تكن الملاكمة ولا حتي لقب بطل العالم بلا منازع، معركتي الأكبر كانت في رفض الظلم والمساواة والعدل .. كانت هذه هي كلمات محمد علي كلاي بعد المباراة ليتم نقلها علي كل وسائل الإعلام العالمية 


وفاة محمد علي كلاي

في الثالث من يوليو عام ٢٠١٦ توفي محمد علي كلاي عن عمر يناهز ٧٤ عاماً في مدينة فينيكس في أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد مسيرة حافلة بالإنجازات وشارك في الجنازة العديد من الشخصيات العامة والرياضية علي مستوي العالم 

بعد وفاة محمد علي كلاي بيوم واحد قال چورج فورمان عن هذه المباراة علي قناة CBS الرياضية ما ترجمتة الآتي " كانت لدي رغبة عارمة لقتل محمد علي، وفعلت لذلك كل شيء يمكنني فعلة، حتي في الجولة السابعة لما إصابته إصابة مباشرة ، فوجئت بيه بيصرخ في أذني وبيقول، أهذا كل ما تستطيع فعله؟! حينها أدركت أنني في المكان الخاطيء مع الرجل الخاطئ 


بالفيديو ... حديث چورج فورمان عن محمد علي كلاي 


من كلمات محمد علي كلاي الخالدة 

طر مثل الفراشة، والسع كالنحلة. لا يمكن ليديك أن تضرب بينما لا ترى بعينيك” – قبل نزاله أمام فورمان عام 1974.

– إذا كان عقلي يتصوّر أمراً ما، وقلبي يؤمن به، فبإمكاني تحقيقه”.

– “أنا لست الأعظم، أنا أعظم العظماء. أنا لا أقوم بهزيمتهم فقط، بل أختار الجولة التي أهزمهم فيها”.

– “من الصعب أن تكون متواضعاً، عندما تكون بمثل عظمتي”.

– “انها مجرد وظيفة. ينمو العشب، والطيور تطير، والموج يقصف الرمال، وأنا أضرب الناس”.

– “عش كل يوم كأنه آخر يوم، لأن ذلك سيصبح حقيقياً في يوم ما”.

– “الرجل الذي يرى العالم في الخمسين من عمره بنفس الطريقة التي رآه بها في العشرين هو رجل أضاع ثلاثين عاماً من حياته”.

– “أنا سريع جداً لدرجة أني أغلقت النور في غرفتي بالفندق وكنت بالفراش قبل أن تظلم الغرفة”.

– “الملاكمة هي عبارة عن كثير من الرجال البيض يشاهدون رجلين من السود يضربان بعضهما البعض”.

– “كاسيوس كلاي هو اسم عبد. أنا لم أختره ولم أرغب فيه. أنا محمد علي، اسم حر، وأنا أصر أن يستخدمه الجميع عندما يتحدثون إلي أو عني”.

– “سيكون الأمر قاتلاً ومثيراً عندما أواجه الغوريلا في مانيلا” قالها علي قبل مباراته التاريخية والأسطورية “تريلا في مانيلا” أمام جو فرايزر عام 1975.

– كرهت كل لحظة من التدريب ولكني كنت أقول “لا تستسلم، اتعب الآن ثم عش بطلاً بقية حياتك”.

– “فقط الرجل الذي يعرف ما تعنيه الهزيمة يمكنه أن يغوص في أعماق روحه ويستخرج منها قوة إضافية ليفوز في المباراة”.

– “ليست هناك متعة في القتال ولكن المتعة تكمن في الفوز”.

– “لا تعد الأيام.. دع الأيام تعد”.

– “لن تكون ثرثرة إن كنت تستطيع إثبات ما تقوله”.

– “الأبطال لا يصنعون فى صالات التدريب.. الأبطال يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم، هي الإرادة والحلم والرؤية 

– “في المنزل أكون رجلاً لطيفاً، ولكنني لا أريد أن يعرف العالم ذلك. المتواضعون يفعلون ذلك”.

– “لو فكرت حتى ولو في الأحلام أن تهزمني فعليك أن تستيقظ من حلمك وتعتذر لي”.

– “طريقتي في المزاح هي قول الحقيقة ، فهي أفضل مزاح في العالم”.


– “الفوز بنزال ما أو خسارته يتحدد بعيداً عن الأنظار، خلف الخطوط، وفي ساحة التدريب، هناك طريق طويل في الخارج أسير فيه قبل أن أحتفل تحت تلك الأضواء”.

– “من لا يجد في نفسه الشجاعة الكافية للمخاطرة لن يحقق شيئاً في حياته”.

– “إنها قلة الإيمان والثقة التي تجعل الآخرين يهابون من مواجهة التحديات، وأنا أثق بنفسي”.-(


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -