إذاعة القرآن الكريم ... ضمير يأبي أن يموت ..بقلم الدكتور أحمد مروان

 


منذ أن أدركنا الدنيا، وشعرنا بالواقع، وعلمنا أن لنا ركن ومتاع في هذه الحياة، كبرت أيامنا على نواميس وعادات وسنن .. منها الصالح والطالح، الغث والسمين، الخبيث والحميد، ومع الوعي والإدراك وطيب التربية وُجد التمييز.. عرفنا وأدركنا وفرقنا بين الطيب والخبيث .. وتاقت أنفسنا إلى الطيب الذي به تنصلح حال النفس .. ونصنع به الشخصية السوية التي فطرها ربها على كل ما هو طيب.


من بين هذه العادات والسنن، والتي تفتحت أعيننا عليها منذ أيامنا الأولى ما يعرف بـ "إذاعة القرآن الكريم".


إذاعة القرآن الكريم مصر هي إذاعة مختصة بإذاعة القرآن الكريم والبرامج الدينية الإسلامية عبر الأثير، وبدأت في بث إرسالها لأول مرة في 29 مارس عام 1964.


إذاعة القرآن الكريم ليست مجرد إذاعة تبث برامج وتلاوات، إنما تُعد أسلوب حياة، قبس من نور، تنشرح به الصدور، وتسعد به الأنفس .. مع كل تلاوة نسمعها من شيخ بعينه، نميز صوته جيدًا، ونعلم الوقت الذي يقرأ به هذه التلاوة .. مثل تلاوة الشيخ محمد رفعت في تمام السابعة صباحًا مثلاً .. من منا لم يستفيق ويبدأ يومه على هذا الصوت الملائكي الجميل، ويردد معه آيات ربنا المعبود، ليشحذ همته قبل أن يتحرك ليستقبل يومه بالرزق الطيب الحلال.


من منا لم يستمع إلى خواطر الشيخ الشعراوي والتي تبث بعد تلاوة رفعت، ويعلم لو قليل عن عظمة الرب في محكم آياته.


من منا لم يسمتع إلى قطوف من حدائق الإيمان، وبدايتها الجميلة والتي هي عبارة عن آية عظيمة "ودانية عليهم ظلالها وذُللت قطوفها تذليلا" .. ويعلم ان اليوم قد أقترب من نهايته.

البرامج العظيمة التي تقدمها دكتورة هاجر سعد الدين، وسعد المطعني.


من منا لم يستمع إلى برنامج "طلائع الإيمان" أو "قبس من نور النبوة" .. أو "من دوحة الدعاء" بمقدمته الرائعة "وقال ربكم أدعوني استجب لكم".


من يستطيع أن ينكر مدى الاستفادة الفقهية من برنامج مثل "بريد الإسلام" أو "القاموس الإسلامي" .. من منا لم يُعجب ببرنامج مثل "أسرار ودلالات في ختام الآيات"؟!

من منا لم يتعلم صحيح التلاوة من برنامج "المصحف المعلم"؟ وصوت الحصري العظيم.


يا جماعة ده كفاية مقدمات البرامج دي، بجمالها، وروعة الأداء في تلاوة آياتها .. حتى لقد أضحت كالعلم، بمجرد سماع الآية تعرف البرنامج من فورك، بل وتتوق نفسك إلى تقليد هذه التلاوة وتلك .. بل لقد صرنا نميز الوقت بالبرنامج .. بمجرد سماع الآية ومقدمة البرنامج تستطيع أن تحدد الوقت أينما وحيثما كنت.


إذاعة القرآن الكريم مصر أصبحت أسلوب حياة لمعظم المصريين، وللعرب أيضًا .. قيمة وصرح وكيان كبير .. شامخة وتزداد رونق وبهاء بمرور الزمن .. بل لن أبالغ إن قلت إن بها عبق الماضي والتراث الجميل .. تحن به نفسك وتهفو إلى الجمال .. وتستعيد الهدوء والصفو النفسي.


إذاعة القرآن الكريم أثيرها في منزلي لا ينقطع منذ عشرات السنين .. آناء الليل وأطراف النهار .. بها يطيب عيشي .. وتحلو أيامي .. وبركة سارية تملأ جنبات دنياي.


من دلائل تأثيرات إذاعة القرآن الكريم على الناس، أجيال وراء أجيال، أنك تجد العديدين يقومون بتقليد بروموهات برامجها، وتقليد قراءات مشايخها .. قراء مصر الأوائل .. الحصري ورفعت والمنشاوي الرائع ومصطفى إسماعيل وعبد الباسط والبنا .. عظماء مصر الأوائل إن أردنا الإنصاف.


يمكن من فترة كان هناك مجموعة من الشباب الطيب صغير السن، استضفتهم إسعاد يونس في برنامجها "صاحبة السعادة" .. هؤلاء الشباب قاموا بتقليد بروموهات البرامج والقرَّاء .. ونال هذا الفيديو كثير من الاستحسان والوفور .. وكثير من الناس قاموا بالدعاء لهؤلاء الشباب .. الذي يعيدون إحياء سنة طيبة .. أعجبت الناس، وحركت بداخلهم مشاعر التوق والحنين لشيء يحبونه، ليس تقديسًا ولا كهنوتية، وإنما حبًا وتقديرًا لصرح شامخ عظيم .. منارة للهدى .. إذاعة القرآن الكريم مصر.


اليوم وللأسف الشديد، شاهدت فيديو، أقل ما يقال عنه أنه في منتهى السخف والحماقة، لشخص ما يسخر من إذاعة القرآن الكريم .. ومن مقدميها .. ومن طريقتهم في العرض والتقديم .. والأعجب أن هذا الشخص المفترض أنه يقدم محتوى كوميدي .. وللأسف هذا الغث والهراء الذي كان يطرحه وجد مجموعة تضحك وتسخر معه على إذاعة القرآن الكريم، هذا الصرح والكيان!!


لم أتعجب كثيرًا .. فهذا زمن رديء .. لا قيمة ولا قيم .. لا حدود لأي شيء .. فالغث أصبح عملة رائجة للتميز والبزوغ .. ولا حول ولا قوة إلا بالله.


إذاعة القرآن الكريم هي أسلوب عيش وحياة .. أنا أعشق هذه الإذاعة

وكفاية لحد كده


د. أحمد مروان

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -