الزئبق الأحمر بين الوهم والحقيقة



الزئبق الأحمر..

 مادة غامضة يظهر الحديث عنها مع الاكتشافات الأثرية ونظريات المؤامرة، لدى الكثيرون اعتقاد عام أنها مادة خطيرة ذات قوى خارقة، فما هو أصل حكاية الزئبق الأحمر ولماذا تثير كل هذا الجدل !!

فى 1994 نشرت القناة الرابعة البريطانية فيلم وثائقى يفترض أنه يكشف أسرار سوفيتية نووية باسم Trail of Red Mercury and Pocket Neutron ، ولكن الملاحظ أن الفيلم الوثائقى جاء بعد عام واحد من نشر تقرير بصحيفة "برافدا" الروسية يدعى أن مذكرات سرية تم تسريبها عن الاتحاد السوفيتى المنهار تتحدث عن أن أمريكا هى من يملك المادة الخارقة والتى يتم استخدامها فى تصنيع قنابل نووية وصواريخ توجه نفسها نحو الهدف.
بينما فريق من الباحثين فى معمل لوس ألاموس الوطنى قال إن كل هذه المعلومات ليست سوى عملية نصب كبرى وقعت فيها وسائل إعلام والباحثين عن الشهرة ممن روجوا للمادة غير الحقيقية باعتبارها طريق مختصر لصنع قنبلة نووية أو قنبلة ذرية وهى معلومات يسهل بيعها للباحثين عن السلاح فى السوق السوداء التى ازدهرت فى أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتى.

قد تعتقد أن ضحايا خدعة الزئبق الأحمر هم مجرد أشخاص يبحثون عن تحضير الجن فى العالم العربى لكن فى الواقع الأمر يتخطى هذا على نحو عالمى.

وبحسب دراسة لنشر "العلوم الذرية" فى 1997 كان هناك عروض عديدة لبيع الزئبق الأحمر فى الشرق الأوسط وكان البائع الذى تم تتبعه رجل أعمال روسى ووجد العديد من المشترين فى العديد من الدول كانوا على استعداد دفع مبالغ خيالية مقابل مادة هم أنفسهم لا يعرفون شكلها.. وكان السعر وقتها بين 100 ألف دولار و300 ألف دولار لكل كيلوجرام.
وكان وضع البضاعة فى صناديق وحاويات عليها العلامة الصفراء المميزة للمواد المشعة كنوع من التدليل على خطورتها لكن تمكنت الشرطة من إيقافه واتضح أن الشحنات ليست سوى زئبق عادى مع صبغة حمراء اللون، وهى بالتأكيد ليست مادة مشعة أو يمكن استخدامها فى القنابل أو غيرها.

ولكن فى 2015 حدث ما جعل الزئبق الأحمر يخرج من نطاق قصص الخيال العلمى والنصب ليعود للصفحات الأولى فى الجرائد وهو تحقيق صحفى من "نيويورك تايمز" يكشف أن حتى تنظيم داعش كان يعتقد أن المادة حقيقية وكان يبحث عن وسيلة امتلاك الزئبق الأحمر لصناعة السلاح.

وبحسب التحقيق فإن أحد المخبرين ويدعى أبو عمر كان يعمل لصالح عدة مجموعات إرهابية فى سوريا منها داعش، ولم يكن لديه مانع من أن يكشف للصحيفة أنه يعمل كوسيط لجلب أسلحة وأموال لداعش وأن قيادات فى التنظيم الإرهابى أعلنوا استعدادهم لدفع 5.5 مليون دولار مقابل كل وحدة من الزئبق الأحمر يكون شكلها مثل الصور التى أرسلوها لأبو عمر فى رسالة على واتساب.

وعندما شاهد مراسلى نيويورك تايمز الصور اتضح أنها مأخوذة من على الإنترنت وبعضها كان فى تقرير لوكالة جيهان التركية التى كانت نشرت خبرا عن قدرات غير معقولة للزئبق الأحمر بدون أى مصادر.

وحاول المراسل شرح أن الأمر كله عملية نصب ولا يوجد شئ اسمه الزئبق الأحمر لكن أبو عمر ظل متأكدا من وجود المادة الخرافية.

حملة ضد الزئبق الأحمر

الحديث عن الزئبق الأحمر وكثرة عمليات النصب التى حدثت بسببه جعلت الكثيرون يحاولون الوقوف ضد هذه الشائعات عبر حملة Campaign against Red Mercury أو "الحملة ضد الزئبق الأحمر" والتى أنشأت موقع إلكترونى يوثق الحوادث التاريخية التى تم الترويج فيها للزئبق الأحمر سواء كمنشط جنسي أو وسيلة لتحضير الجن أو سلاح نووى.

ويقول مؤسس الحملة مايكل بي مور، إنه أنشأ الحملة بعدما كتب فى عدة مناسبات عن أشخاص تعرضوا للقتل فى محاولة استخراج الزئبق الأحمر من مناجم والبعض كان يبحث عنه فى مواد متفجرة وكل هذا حدث فى أفريقيا عندما كان يعمل كصحفى بها.

وقال فى الموقع "الزئبق الأحمر لا وجود له والكثير من الأبرياء عانوا بسبب هذه الخدعة".

وأكد أن هدف الحملة ليس مجرد إعلان على الإنترنت أو توثيق لحوادث النصب والمآسى الخاصة بالخدعة بل أيضا لتقدين نصائح حول كيفية الرد على هذه الخدعة وما يجب أن يقوم به الفرد إذا عرض عليه أحدهم شراء أى مادة قيل أنها الزئبق الأحمر.

ولكن ما هي بداية القصة 

فى حوالى النصف الثانى من اربعينات القرن العشرين تم اكتشاف مقبرة القائد ( امون..تف ..نخت ) وهو من اكبر قادة الجيش فى عصر الاسرة 27 ووجدوا شيئا غريبا اسفل المومياء ...زجاجة بداخلها سائل لزج ذو لون بنى يميل الى الاحمرار ولم تعرف حقيقة هذه المادة وتم حفظها فى متحف التحنيط بالاقصر ..

وفى عام 1968 نشرت وكالة (دويتا للابحاث النووية ) الروسية انها اكتشفت مادة تبلغ كثافتها 23 جرام لزجة ولونها احمر واسمتها الزئبق الاحمر يتم استخدامها بديل لليورانيوم الذى يبلغ كثافته 20 جرام فقط فى صنع قنبلة ذرية بسرعة عالية 

وقد سمع الروس عن المادة المحفوظة بمتحف الاقصر والتى تشبه الزئبق الاحمر واعتقدوا ان المصريين القدماء  توصلوا الى هذه المادة منذ الاف السنين وتقدموا بطلب الى الرئيس عبد الناصر لتحليل هذه المادة 

وإنتشرت إشاعة ان قدماء المصريين اكتشفوا الزئبق الاحمر وجرى الناس وراء تلك الشائعة وحاول الكثيرون سرقة هذه الزجاجة الى ان اصدر الرئيس عبد الناصر باغلاق البحث فى هذا الموضوع وتم ختم الزجاجة بخاتم رئاسة الجمهورية مع التقرير بنتائج تحليلها وحفظها بالمتحف ....

صورة الزجاجة المحفوظة بمتحف الأقصر 

ولم تنتهى القصة عند هذا الحد وجاء مشعوذ سودانى اسمه حامد ادم وروج للشائعة عن وجود الزئبق الاحمر داخل المقابر المصرية القديمة  وقام بالنصب على العديد من البسطاء وكذلك ممن يحلمون بالثراء السريع واقنعهم ان للزئبق قدرات خارقة عن تسخير الجان وجلب الاموال واعادة الصحة والحيوية عن طريق حقنه داخل الجسم وغيرها من الخرافات الى ان تم القبض على هذا الدجال النصاب ولكن الشائعة لم تنتهى الى الان ..

بالفيديو _ الدكتور زاهي حواس يتحدث عن حقيقة الزئبق الأحمر 

وبعد تحليل السائل الأحمر الموجود في المقبرة من قبل الخبراء الروس وجدو أنه يحتوى على مواد تحنيط ومن انسجة ودم صاحب المومياء وملح النطرون ونشارة الخشب ورانتنج صمغى ودهون عطرية وكتان وتربنتينا وبسبب غلق التابوت بإحكام ووجود الزجاجة بداخله ادى الى تفاعل هذه المواد مما انتج عنه ذلك السائل اللزج والذى لايمت بصلة الى الزئبق او خواصه 

أما عن تركيب المادة الموجودة في المقبرة فكانت كالتالي 

١_ (90.68 %) سوائل ادمية من دم وماء واملاح وانسجة رقيقة )

٢_ ( 7.36 %) محلول صابونى

٣_( 0.01 %) احماض امينية

٤_( 1.65 %) مواد تحنيط راتنج وصمغ ومادة بروتينية 

وف النهاية يجب وضعها فى تابوت محكم الإغلاق مع جثة لالاف السنين حتى يحصل على هذه المادة وفى النهاية لن تصبح زئبق ..

ولكن هل الزئبق الأحمر موجود فعلاً أم أن الأمر مجرد إشاعة ؟

الزئبق الاحمر حقيقة علمية مؤكدة استخلصه الروس بعمليات كيميائية معقدة ويستخدم فى الاغراض العلمية والصناعية وليس الزئبق المصرى القديم  والذى لاوجود له من الاساس فلا يوجد زئبق احمر لا فى المقابر ولا المومياوات ولا حتى فى طبق اليوم ، إنه موجود فى عقول البسطاء والمشعوذين فقط 

اقرأ أيضاً لعنة الفراعنة بين الحقيقة والخيال



تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -